تُظهر صور جديدة التقطت من الفضاء ليلا كيف تسبب الصراع في منطقة تيغراي الشمالية في إثيوبيا في مواجهة السكان لواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. وتظهر المدن وهي تتحول إلى اللون الأسود على مدار 20 شهرا مع انقطاع إمدادات الكهرباء.
ونشرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي.) نسخة من الصور التي التقطتها وكالة ناسا عبر الأقمار الصناعية، والتي يبدو فيها أن القوات والميليشيات الإثيوبية – إلى جانب جنود من إريتريا المجاورة – تتفوق على مقاتلي تيغراي.
وقالت إثيوبيا يوم الثلاثاء إن جيشها سيطر على شاير، إحدى أكبر مدن تيغراي، وبلدتي ألاماتا وكوريم، الواقعتين إلى الجنوب من ميكيلي عاصمة الإقليم.
وتحذر الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة، وغيرها، من أن تجدد الحرب الطاحنة قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الكارثية التي يعيشها المدنيون بالفعل.
ولم تسمح الحكومة الإثيوبية للصحفيين بالوصول إلى تيغراي منذ يونيو 2021. ومن الصعب معرفة مدى شدة النزاع والأزمة الإنسانية في ظل انقطاع معظم الاتصالات في المنطقة.
وكشفت بيانات جديدة من مكتب الصحة في تيغراي، حصلت بي بي سي على نسخة منها، عن كيفيةتأثير الحصار المفروض على المنطقة – الذي أوقف المساعدات الإنسانية إلى حد كبير، بالإضافة إلى خدمات أخرى مثل الكهرباء والبنوك – على الأطفال الصغار.
وتشير الأرقام إلى أن عدد الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات والذين ماتوا بسبب سوء التغذية قد ارتفع بنسبة مذهلة بلغت 1,533 في المئة خلال العامين الماضيين منذ يوليو 2020 – قبل اندلاع الحرب. ويعني هذا أنه مقابل كل طفل مات قبل الحرب، توفي 16 طفلا في 2021-2022.
وقال الدكتور كوكيب هاغوس، الذي يجمع بيانات مكتب الصحة في تيغراي، لبي بي سي إن 2,450 طفلاً ماتوا في المستشفيات خلال الفترة بين يوليو 2021 ويوليو 2022 – وهو أقل بكثير من العدد الحقيقي، كما يقول، نظرا لأن العاملين في مجال الصحة لا يستطيعون السفر في جميع أنحاء المنطقة بسبب نقص الوقود وانقطاع خطوط الهاتف وشبكة الإنترنت.
وتقول دراسة أكاديمية حديثة إن إجمالي عدد القتلى من المدنيين في تيغراي – بسبب القتال والمجاعة ونقص الرعاية الصحية – يتراوح بين 385,000 و600,000.
تقول دراسة أكاديمية حديثة إن إجمالي عدد القتلى من المدنيين في تيغراي – بسبب القتال والمجاعة ونقص الرعاية الصحية – يتراوح بين 385,000 و600,000.
وتُدون الأرقام على قطع من الورق وتُرسل بواسطة أي وسيلة نقل متاحة للمكتب للمقارنة بالبيانات الأخرى، بما في ذلك المعلومات التي تفيد بأن 70 في المئة من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد لا يتلقون العلاج اللازم بسبب نقص الغذاء والدواء.
وكان سورافيل ميريغ أحد الأطفال الذين ماتوا هذا العام. وكانت بي بي سي قد كتبت عن حالته لأول مرة في يناير 2022. في ذلك الوقت، كان يبلغ من العمر ثلاثة أشهر وكان وزنه 2.3 كغم فقط (أقل بمقدار كغم مما كان عليه عند الولادة). ولم يكن لدى والديه المال اللازم لشراء الطعام بعد أن فقدا وظيفتيهما. وأخبرنا الأطباء بمستشفى أيدر في مدينة ميكيلي، حيث كان يُعالج، أنه توفي بعد شهر.
قصف السد الكهرومائي
ومن خلال صور وكالة ناسا (من نوفمبر 2020 حتى أغسطس 2022)، يمكن تحديد مسار الصراع تقريبا، حيث تظهر مستويات الضوء تتناقص في مدن شاير وأكسوم وميكيلي. إنه مؤشر شهري على حجم الضوء المنبعث من المدن المعنية وإمكانية وصول الكهرباء إليها.
وقالت عدة مصادر لبي بي سي إن الحكومة الفيدرالية الإثيوبية تسيطر على شبكة الكهرباء الوطنية، لكنها اُتهمت بقطع الكهرباء عن تيغراي، حيث كانت الكهرباء تتوفر إلى حد كبير في بلدات المنطقة قبل اندلاع الحرب.
ووفقا لتحقيق نُشر في سبتمبر من قبل اللجنة الدولية لخبراء حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بشأن إثيوبيا، فإن الحكومة “علقت الكهرباء والإنترنت والاتصالات والخدمات المصرفية في تيغراي في الرابع من نوفمبر 2020” – وهو اليوم الذي بدأ فيه الصراع.
وتُظهر الصور انخفاضا حادا في الضوء فوق مدينتي شاير وأكسوم اعتبارا من نوفمبر 2020. وتزداد قوة الأضواء في المدينتين خلال الفترة بين مارس ويونيو 2021 عندما كانت المدينتان تحت سيطرة الحكومة.
وظلت مدينة ميكيلي مضاءة جيدا حتى يوليو 2021، بعد أن استعادت قوات تيغراي السيطرة على المدينة مباشرة. وكانت المدينة قد سقطت خلال الشهر الأول من الصراع وظلت مضاءة خلال الأشهر السبعة التي كانت فيها تحت سيطرة الحكومة.
ويقول تقرير الأمم المتحدة: “عندما استعادت قوات تيغراي السيطرة على أجزاء كبيرة من تيغراي، بما في ذلك ميكيلي، في أواخر يونيو 2021، ردت الحكومة الفيدرالية مرة أخرى بقطع الكهرباء والإنترنت والاتصالات والخدمات المصرفية عن المنطقة”.
وخلال الصراع، كان مصدر الطاقة الرئيسي الوحيد لسكان تيغراي البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة هو سد تكزه الكهرومائي، الذي تعرض للقصف في ديسمبر 2021.
وتُظهر الصور كيف خفت الأضواء بشكل حاد في ميكيلي في وقت لاحق من شهر ديسمبر/كانون الأول 2021 بعد قصف السد. وأثر ذلك على اثنين من أربعة توربينات للسد، وفقًا للأكاديمي غيتاتشو أسيفا المقيم في كندا.
وقال أسيفا، أستاذ التصميم المستدام في جامعة كالغاري، لبي بي سي: “يعمل المهندسون على تشغيل توربينين من خلال استخدام قطع غيار من التوربينين الآخرين، لكن الظروف صعبة للغاية. وحتى التوربينين اللذين يعملان لا يولدان الكهرباء الكافية، نظرا لأن بهما العديد من الأعطال التي كان من الممكن إصلاحها في حال الحصول على قطع الغيار اللازمة”.
وتضم تيغراي أيضا مزرعة أشيغودا للرياح (حقل يضم توربينات لتوليد الطاقة باستغلال حركة الرياح) التي تحتوي على 84 توربينا، والتي كانت توصف بأنها أكبر مزرعة رياح في إفريقيا عندما افتتحت في عام 2013 بالقرب من ميكيلي، لكنها توقفت عن العمل أيضا أثناء الصراع، وفقا لأسيفا.
مخاوف مستقبلية
ما زالت الحكومة الإثيوبية تنفي أنها تقطع الكهرباء والخدمات المصرفية والاتصالات عن تيغراي، على الرغم من أنها وعدت بعد الاستيلاء على شاير هذا الأسبوع بالسماح للمنظمات الإنسانية بالوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها الآن عبر مطار المدينة.
وقالت مصادر على الخطوط الأمامية للمعركة لبي بي سي إن تحالف القوات يتقدم الآن إلى الشرق من شاير ثم إلى أكسوم وعدوة وأديغرات.
ويعد هذا تقريبا تكرارا لبداية الصراع منذ ما يقرب من عامين عندما استولت الحكومة الإثيوبية على شاير ثم استولت على بلدات أخرى، قبل أن تسيطر على ميكيلي، التي تعرضت لضربات متكررة بطائرات بدون طيار، خاصة منذ استئناف القتال في أغسطس في أعقاب هدنة إنسانية استمرت خمسة أشهر.
إنه وقت مرعب بالنسبة لسكان المدينة الذين يقدر عددهم بنحو 500 ألف نسمة.
وقالت ممرضة في مستشفى أيدر: “لقد اشتدت الحرب، ونتساءل دائما متى ستأتي الطائرة بدون طيار؟ وهل سأجد أطفالي على قيد الحياة؟”
وقالت إحدى عاملات الإغاثة القليلات اللائي بقين في المنطقة إن زملائها يعانون الآن من الجوع.
وأضافت: “لقد نفد الطعام المتبقي، وأصبح كل السكان يتضورون جوعا. مئات وآلاف الأشخاص اليائسين يطرقون أبوابنا طلبا للدعم. وهناك العشرات ممن يتضورون جوعا في منازلهم، ويعيشون بلا طعام لأيام متتالية”.
إنهم يخشون مما سيحدث، وخاصة الأعمال الانتقامية المحتملة من القوات الإثيوبية والإريترية.
وبالنسبة لغيتاتشو، من المحتم أن يكون للحرب تأثير طويل الأمد على البنية التحتية للمنطقة حتى لو رُفع الحصار.
ووردت بالفعل تقارير عن أعمال نهب في شاير، ومزاعم عن إعادة شحن مواد إلى إريتريا، وهي نفس المزاعم التي انتشرت على نطاق واسع في البلدات التي سيطرت عليها القوات الإريترية في وقت مبكر من الصراع.
وقال غيتاتشو: “إذا كان هذا صحيحا، فسوف يستمرون في ما تبقى من البنية التحتية للكهرباء”.